بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفرد بالبقاء، الذي حكم على جميع خلقه بالانتقال عن دار الفناء أحمده وأشكره وأشهده أنه لا إله إلا هو وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله خير الخلائق في الأرض والسماء. اللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم والرسول السيد السند العظيم المنزل عليه « إنك ميت وإنهم ميتون »   فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أما بعد        
فيخسر العالم الإسلامي كل حين بفقده لعلمائه الحاملين لشريعته، والمتمسكين بسنته، ويفقد بفقدهم ركائزه الفكرية، ودعاماته العلمية التي بها قيامه وعليها بنيانه وهذا فضلاً عن خسارته للنماذج الحية التي تتمثل الإسلام سلوكاً عملياً، وتدعو الناس بمنهجها العلمي العملي إلى الاقتداء بها.
ذلك أن وجود العلماء بين الناس يذكرهم بالإسلام وحقائقه، وبموت هؤلاء العاملين تغيب المثل من صفوف الأمة، وتضيع عليها معالم الطريق إلى الله عز وجل.
وزُهْدُ الناس اليوم بهؤلاء العلماء، وإعراضُهم عن الدِّين، حذر منه السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم في حديث شريف نفيس يعدُّ من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا».
ولئن غابت عنا النماذج السلوكية المتمثلة بالإسلام، فلا أقل من أن نسعى إلى تسجيل صفاتها وتحبير آرائها، ونهج حياتها، عَلَّنا في هذا أن نضع قبساً من النور في طريق الجماهير تتلمس بواسطته بعض معالم الطريق، ونقدم لهم نماذج عملية سلوكية عن علماء الإسلام، عاشت في هذه العصور متحدّية كل أباطيله وضلالاته، معبرة عن حقيقة الإسلام وخلوده، وصلاحيته للإنسان في كل زمان ومكان.
وقد خلق الله الانسان ولوعاً بآثار الغابرين، شغفاً باستطلاع ما تركته يد الأيام والسنين، وكنت منذ نيطت عني التمائم ضارباً من الولع والشغف بالحظ الأوفر، والقدح الأكبر، منقباً عن شوارد الأسفار وأوابد الآثار، حريصاً على ما ركزته بطون الأوراق أن تخيم عليه عناكب النسيان، أو يخنى عليه الزمان، فتراني نزوعاً إلى طبع كل أثر لم يبرز إلى عالم الطبع ليعم به النفع‎.
الباعث على تأليف هذا الكتاب:
وكان مما شد عزيمتي على اخراج هذا الكتاب الصيت العلمي الذي بلغته أسرة آل الخطيب الحسنية، فقد شرفها الله تعالى بانتسابها إلى العلم والتعليم والخطابة وتحفيظ كتاب الله تعالى، فلا تكاد تنظر في أي فرع منها إلا وتجد نخبة عالية الكفاءة من العلماء العاملين والحفظة المتمكنين والعباد الزاهدين، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن بركة جدهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سرت إليهم فهو الذي كان يحض على التعلم والتعليم صلى الله عليه وسلم ويقول:
« فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم » .
و « فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب » .
و « العلماء ورثة الأنبياء »  وكفى بهذا مجداً وفخراً.
ولهذا نجد أن عناية أفراد الأسرة قد توجهت لنشر العلوم الشرعية والعربية، نرى ذلك ضمن طرق اربع:
الطريقة الأولى: انشاء المدارس الشرعية الخاصة، سواءً بجمع الطلاب ضمن حلقات علمية أم ضمن صفوف رسمية وعرف لآل الخطيب الحسنية أربعة مدارس يستقبلون فيها الطلاب ويقومون بتدريسهم وإدارة شؤونهم:
المدرسة الأولى: مدرسة التهذيب والتعليم التي قام بإنشائها العلامة الفقيه والورع العابد ولي الله الشيخ أبو الخير بن الشيخ عبد القادر بن الشيخ صالح الخطيب، واستمرت العناية بها من طريق أولاده الشيخ كمال والشيخ جمال ثم تسلم ادارتها عمي الشيخ عبد الرحيم  وأنشأ لها جمعية خيرية لدعم الطلاب مالياً ومادياً  ،ثم تولاها من بعده الشيخ محمد هاشم بن الشيخ محمد رشيد الخطيب وأولاده من بعده الشيخ محمد رشيد والدكتور محمد علي ثم من بعدهم الفقير إلى الله تعالى صاحب هذا التأليف، وهي ذات أقسام أربعة ابتدائي- اعدادي- ثانوي- عالي، واقتصرت اليوم على الأقسام الثلاثة الأخيرة   
المدرسة الثانية: مدرسة الأمينية الابتدائية التي تسلم ادارتها عمي الشيخ محمد شريف وقام بالتدريس فيها ثلة طيبة من علماء دمشق منهم مولاي الوالد الشيخ محمد سهيل والشيخ علي الطنطاوي وغيرهم وشهادتها هي أعظم من شهادة الجامعة اليوم، وكانت من المدارس المتفوقة وقلدت الدولة عمي الشيخ شريف بالإشراف على جميع المدارس الابتدائية الخاصة، واشتهرت بشدتها في أمور التعليم والنظام .
المدرسة الثالثة: مدرسة الخياطين التي اتبعت نظام الحلقات العلمية ضمن غرفها الكثيرة العدد، وقد تقلد ادارتها الشيخ حسن بن الشيخ أبي الفرج الخطيب وأخيه الشيخ سعيد وابن أخيه الشيخ توفيق ثم أولاد الشيخ سعيد وأحفاده  .
المدرسة الرابعة: مدرسة النورية الصغرى وتعرف بمدرسة الشيخ أبي الفرج الخطيب، يقام التدريس فيها ضمن حلقات علمية تسلم اداراتها الشيخ أبي الفرج بن الشيخ عبد القادر ومن بعده أولاده وأحفاده  ..
الطريقة الثانية: التدريس في المساجد الكبرى في دمشق وخصوصاً الجامع الأموي وجامع السنانية وفي بعض المساجد الأخرى كجامع القلبقجية وجامع الخياطين وجامع باب السلام وجامع الشمسية وجامع الجراح بالمهاجرين وجامع الدرويشية بدمشق.
الطريقة الثالثة: التدريس في مجالسهم الخاصة وفي بيوت تلامذتهم بشكل دوري اسبوعياً، كمجلس مولانا الشيخ هاشم ومجلس مولاي السيد الوالد ومجلس الشيخ نذير بن رضا الخطيب (في القرآن الكريم).
الطريقة الرابعة: التدريس في بقية المدارس العامة والخاصة كالمدرسة التجارية للشيخ محمود العقاد والتي كان قسم من طلابها يدرسون على حساب جمعية التهذيب والتعليم. والمدرسة الكاملية والتجهيز وأسعد عبد الله ودار الحديث والثقفي.
وقد برز من أفراد الأسرة أئمة أعلام في العلوم الشرعية وخاصة في الحديث والفقه والتفسير والخطابة فممن اشتهر بعلوم الحديث:
المحدث بالأسانيد العالية الشيخ صالح بن العلامة الشيخ عبد الرحيم بن الشيخ محمد الخطيب وتخرج به حفيده محدث الديار الشامية والحجاز ومصر الشيخ أبو النصر الخطيب.
وتخرج به ابن عمومته المحدث الشيخ محمد هاشم بن الشيخ رشيد الخطيب وشيخه الشيخ محمد بدر الدين الحسني وحدث عنهما والدي بكتابه العظيم دروس الشيخ محمد بدر الدين الحسني الذي كتبه عنه في خلال مجالسه المعقودة في الأموي.
والمحدث الشيخ محمد صالح بن الشيخ أحمد الخطيب.
كما برع كثيرون منهم في الفقه الشافعي بل آلت مشيخة الشافعية لبعضهم، أمثال:
العلامة الشيخ عبد القادر بن الشيخ صالح بن الشيخ عبد الرحيم الخطيب، وأولاده الثلاثة الشيخ أبو الخير والشيخ أبو الفرج والشيخ أبو الفتح واشتهر منهم أيضاً الشيخ محمد بن وهبة بن عيسى.
والشيخ محمد هاشم وأخيه الشيخ عبد الرحمن ابناء الشيخ محمد رشيد الخطيب.
والشيخ محمد حسن بن الشيخ أبي الفرج، والشيخ كمال بن الشيخ أحمد الخطيب.
والشيخ عبد الله بن الشيخ عبد الرحيم وولد الشيخ محمد وأحفاده الشيخ محمد رشيد والشيخ عبد الرحيم والشيخ عبد الفتاح والشيخ عبد المطلب وغيرهم كمولانا السيد الوالد والشيخ توفيق، بل كان مولاي الوالد بارعاً ببقية المذاهب الأربعة وفقيهاً فرضياً ونسابة ومؤرخاً.
وقد ذكر المؤرخون هذه الحركة العلمية لآل الخطيب من خلال ذكر تراجم أعلامها في كتبهم:
ككتاب منتخبات التواريخ للسيد أديب تقي الدين الحصني.
وكتاب أعيان دمشق للشيخ جميل الشطي.
وكتاب تاريخ علماء دمشق للسيدين حافظ وأباظة.
وكتاب منادمة الاطلال للشيخ بدران
وغيرهم ممن رصد الحركة العلمية لبلاد الشام.
والأسرة اليوم رأت هذا التحول العجيب الذي حصل للأمة الاسلامية، فرأى معظم أفرادها ان يعتزلوا التدريس الديني ويقتصروا على التعليم والتربية الاسلامية البيتية، وخاصة أن المتاجرة بالدين قد تفشت ضمن المجتمعات بكثرة فاضحة، فخلعوا عمائمهم حتى لا يصيبهم ما أصاب أصحاب العمائم وبقيت الثقافة الدينية والتمسك بمبادئ الاسلام والعمل بفرائضه واجتناب منهياته هو السائد بين أفرادها اليوم، واني لأعرف عدداً كبيراً منهم الفقهاء والحفاظ والعبَّاد هم أفضل من كثير ممن يضعون عمائمهم ويرخون لحاهم، ولكن علبت عليهم التجارة، هم فقهاء غلب عليهم العمل بالتجارة كما قيل في إمامنا الشافعي: شاعر غلب عليه الفقه، أو كما قيل في أبي نواس فقيه غلب عليه الشعر.
والله تعالى أسأل أن يحفظ الأمة الاسلامية والأسر الدمشقية من الزلل عن طريق الشريعة الغراء.
وكان مضى مدة على انتقال صاحب المواهب الباهرة والمناقب الزاهرة، المولى الكبير سيدي ومولاي الوالد الشيخ محمد سهيل الخطيب الحسني الذي وفقني الله تعالى بعد بحث دقيق وتحقيق علمي عميق، وبذل كل مجاهدة وجهد للإطلاع على مؤلفاته المفيدة التي مضى عليها حين من الدهر، فأكرمني رب العزة فظهر إلى الوجود بعض كتبه وهي‎:
- الإسراء والمعراج‎.    
- مناسك الحج‎.
- كتاب الدعوات‎.
وكنت أحب أن أكتب عن حياة مولاي الوالد رحمه الله تعالى، هذه الشخصية التي قادت الأسرة بهمة عالية وعلم واسع وأخلاق محمدية فترة من الزمن فأحبها الجميع، واجتمعوا عليه لاتباعه الحق في كل أعماله وأقواله وقد قيل: «الرجل من يجمع الناس على الحق لا على نفسه».  لكنني وجدت أن  السيد الوالد قد ترك الأصل الكبير والسِّفر الواسع العريض الذي أنشأ عليه شجرات العائلة الأربع الخاصة بالأسرة اسرة آل الخطيب الحسنية، وقد كتب فيه بعض التراجم لهذه الأسرة أمثال ترجمة محدث العصر الشيخ أبي النصر الخطيب، والشيخ هاشم الخطيب، وهما أكبر ترجمة في سفره الكبير‎، والباقي الـ 95% من الكتاب فيه الولادات وتاريخ الوفاة لأفراد أسرتنا الكريمة.
ولعلمي أن العلماء ما دونوا علوماً في سطور الطروس، وبطون المجلدات إلا قياماً بخدمة العلم والعالم، خدمة باقية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم، فقد عزمت بعد الاعتماد على توفيقه تعالى على اخراج هذا الكتاب لصعوبة عمل شجرة  مستقبلاً، هذه الشجرة التي:
رتبت على ترتيب البطون، فكل بطن بين خطين أسودين كما ترى من البطن الأول إلى البطن الثاني إلى الثالث إلى.. وقد كتب اسم كل ذكر متزوج ضمن فرع لأنه آن لكل منهم إن شاء الله تعالى أن يكون فرعاً وذرية، وقد جعل لكل منهم فروعاً بعد اسمه بعدد زوجاته يظهر أولاد كل زوجة على حدة مع ذكر اسم الزوجة ضمن الفرع‏‎.
ومن لم يتزوج كتب اسمه ضمن ورقة، وكتبت أسماء الاناث ضمن ثمرة لأنها تقطف وتغرس بذرها، ثم من تزوجت منهن من العائلة نفسها (آل الخطيب) كتب اسم زوجها معها على الثمرة، ومن تزوجت من خارج العائلة وولدت أولاداً جعل مع اسمها في الثمرة رقماً فإذا تتبع الانسان ذلك الرقم على الأطراف في حيّز الأصهار وجد اسمها واسم أولادها‎.
ومن توفي منهم جعل تحت اسمه رمز (ت) ومن دفن بعد الوفاة في مقبرة الدحداح في دمشق جعل مع اسمه رمز (حـ)، ومن دفن في مقبرة باب الصغير في دمشق جعل مع اسمه رمز (با)،  ومن دفن في قرية حرستا التابعة لقضاء دوما من أعمال دمشق وغوطة دمشق جعل مع اسمه رمز (حا)، ومن دفن في غير هذه الأمكنة كتب مع الرمز اسم البلدة التي دفن فيها‎.
وغالباً يكتب على أسماء من توفي من الذكور تاريخ ولادته وتاريخ وفاته مع محل دفنه كما تراه‎. هذه الهندسة البديعة التي صنعها السيد الوالد جعلت الشاعر أبو السعود أفندي مراد الشاعر الفاضل أن يقول مؤرخاً لشجرة بني الخطيب‎:
أحسن بذي الشجرة التي سما
        اتقانها وجل عن مشاركه
أضحى لها في الأرض أصل طيب
        وفي السما الفروع منها سالكه
نسب أبناء الخطيب ضمنها
        من لؤلؤ صاغ الهدى سبائكه
منهم حوت كل همام سيد
        حسن ربي بالتقى مسالكه
قد قلت في تقريظها لما زهت
        يجلو ضياؤها الليالي الحالكة
آل الخطيب أرخو طوبى لكم
        شجرة بمجدها مباركة
محمد أبو السعود مراد
رحت أطالع السفر الكبير الذي تركه مولاي الوالد رحمه الله، ورأيت أنه يحتاج إلى إبراز للوجود، وليبقى في حوزة كل رجل من الأسرة تاريخ أسرته كلها، الكبير والصغير، العالم والمتعلم، الوجيه والمتواضع، فشحذت الهمة وبدأت أنظر في كتب التاريخ التي كتبت عن آل الخطيب، وقمت بجمع ما كتب، ثم قدمت إلى أفراد الأسرة المعمّرين، وسألتهم واحداً واحداً عن أبيه وجدّه وفرعه، حتى اجتمع لدي الشيء الكثير عن أفراد الأسرة بل وتلامذتهم من غيرهم، فدونت ذلك كله وقمت بترتيبه وتبويبه، وأثناء هذا العمل قدم إلي الأخ العالم الصالح الأستاذ مطيع الحافظ مع رفيق دربه العالم الأستاذ نزار أباظه، فطلب بعض المعارف عن الأسرة وأفرادها وعلمائها فقمت بتزويدهما ببعض التراجم، التي أخرجاها في كتابهما علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري وآخر في القرن الثالث عشر الهجري.
وآليت على نفسي الا أكل ولا أملَّ حتى يكتمل هذا العمل بعونه تعالى، وكنت ألقى بعض السخرية من بعض أفراد الأسرة وهم يقولون لي: - ماذا سيفيدك هذا العمل. وكت أجيبهم بقول جدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- « تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم » .
وحينما كنت أراهم يمضون وآثار السخرية ما تزال بادية على محياهم أعزّي نفسي بقول الشاعر الإسلامي:
    هم لم يوّفوا للإله بحقه                أتريد توفيةً وأنت حقيرُ
وواجهتني بعض الصعوبات الحسية التي ليس لها قيمة أمام الصعوبات المعنوية، منها التدخل بمواليد الأسباط (أولاد البنات) من اسرتنا فكنت ألقى جفاء منهن عند الاتصال بهن أو الاتصال بأزواجهن، فلما كثر ذلك ألغيت الأسباط في كتابنا هذا، ويكفيهم هذا ألا يذكروا في كتب تاريخ الأسرة.
وظن بعض أبناء العمومة أنني أجمع هذه الشجرة لغاية في نفسي، فكان يرفض اعطائي أي معلومة ولو عن مولاي الوالد الذي كان قد مات رضي الله عنه، بل قدم أحدهم وقلبه يرتجف وأعضاؤه ترتعد يشكوني لأخي الأكبر الذي قام بطمأنته وتهدئة روعه.
ولكنني كنت قد عزمت وقد قال مولانا عز وجل: {فإذا عزمت فتوكل على الله} فتوكلت على مولانا عز وجل، في اخراج هذا الكتاب الذي يؤرخ للاسرة، وصبرت، وتجلدت، وأنفقت جهداً ومالاً كثيراً في سبيل الحصول على أي معلومة تخدم تاريخية الأسرة، حتى أكرمني مولانا بهذا العمل الذي سميته: « غرر الشآم في تراجم علماء الشام من آل الخطيب الحسنية ومعاصريهم » .
وهاهو قد خرج في جزأين، جعلت الأول منهما خاصاً بآل الخطيب الحسنية، والثاني منهما لتلامذتهم، ولما كانوا هم لم يتتلمذوا فقط على آل الخطيب وربما كانت تلمذتهم على غير آل الخطيب أكثر، عقدت لمشايخهم أبواباً فذكرت ترجمة الشيخ الأكبر لهم ثم ذكرت تلامذته بعدهم.
ثم عنّ لي أن اذكر المشاهير في عصرنا، الذين ورثوا العلم عن آبائهم، فقدمت ترجمة مختصرة جداً عن الآباء ثم أوردت تراجم الأبناء وبهذا أثبت للناس أن علم الآباء ورثه الأبناء ولم يضيعوه هباءا.
ولما كان حق مولاي الوالد عليَّ عظيماً خاصة، وعلى أفراد الأسرة عموماً فقد صدّرت ترجمته في الكتاب بعد أن ذكرت بعض المقدمات التي رأيت أنها لابد منها.
ثم عقدت لكل فرع أجداده فأبناءه وحتى نهاية كل فرع بالترتيب وبدأت بفرعنا لحق أعمامي وأعمام والدي وأجدادي علي، وهذا تنفيذاً للقاعدة الشرعية «الأقربون أولى بالمعروف».
وسوف يقال: إن المؤلف قد أشاد بآل البيت وفضلهم، وزاد وأفاض، وقد يشك بما ذكرت وهذه طبيعة الحسّاد، ولأجل ذلك أنقذته من الشك وذكرت رسالة العلامة الفقيه الحنفي خاتمة المحققين الشيخ ابن عابدين رضي الله عنه، وهي رسالة مفيدة تجمع بين الفقه والتوجيه الديني لمن ينتسب لآل البيت النبوي وأنه يجب عليهم التمسك بالشريعة.
وآل الخطيب الحسنية كانوا معروفين بألقاب ثلاثة، أو بأحد ألقاب ثلاثة، منهم من لقبهم بالجيلي ومنهم من لقبهم بالجيلاني، وآخرون لقبوهم بالكيلاني، وهذا كلُّه يرجع للقب جدنا شيخ الأولياء وقطب السالكين الأصفياء مولانا الشيخ عبد القادر الجيلاني أو الكيلاني الذي استقر ببغداد وغدت له مكانة في عصره لا تبارى وانتشر أولاده وأحفاده في أصقاع الأرض، قدم أحد أحفاده السيد الشريف سيف الدين يحيى من بغداد وسكن حماه، وآل الكيلاني أو الجيلاني هناك من نسله، وهو أحد أحفاد الشيخ عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر رضي الله عنهما.
يقول صاحب الروض البسام في أشهر البطون القرشية بالشام /ص55/:
$ومن الفاطميين آل الشيخ عبد القادر الجيلاني، وهم بحماه بطن من آل عبد الرزاق، قدم جدهم سيف الدين يحيى من بغداد وسكن حماه.
ثم انتقل جدنا الشيخ عثمان إلى قرية حلا بجوار دمشق فسكنها، وانتقل أحد أحفاده وهو الشيخ عبد الرزاق بن أبي رسلان إلى قرية عذرا ولزمه لقب العذراوي وحين احترق نسبه رحل إلى حماه ونقل صورته سنة 913هـ ثم انتقل ولده الشيخ عيسى إلى قرية البحارية في غوطة دمشق الشرقية فدفن فيها، وكان أول من قدم دمشق وسكن فيها هو العلامة الشيخ عبد الرحيم بن الشيخ محمد الخطيب ومنه تفرعت هذه الأسرة المباركة ويحدد الزمان التقريبي لها من عام 1150هـ، لأن العلامة الشيخ عبد الرحيم توفي في دمشق سنة 1199هـ.
فتحصَّل لنا أن الدورة الشريفة لآل البيت قد انتقلت من المدينة المنورة إلى العراق، جدنا سيدنا علي حيث أقام خلافته فيها، ثم من بغداد إلى حماه، ومن حماه إلى قرى دمشق المجاورة، ولمدة طويلة تراوحت حياة أحد عشر جداً من أجداد الأسرة تنقلوا بين حلا- وعذرا- البحارية ثم إلى دمشق الشام.