استدل أهل القول الأول بما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّرَه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر "لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان".
كما استدلوا بما رواه ابن حبان والترمذي والحاكم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطواف بالبيت صلاة" وستر العورة من شرائط صحة الصلاة بالإجماع فيكون شرطاً لصحة الطواف.
واستدلوا أصحاب القول الثاني وهو الحنفية على أن ستر العورة في الطواف ليس بشرط وإنما هو واجب بعموم قوله تعالى: "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج: من الآية29)، قالوا فأمر بالطواف مطلقاً عن شرط الستر فيجري على إطلاقه.
قالوا والنهي عن الطواف عرياناً إنما هو نهي لمكان الطواف وإذا كان كذلك تمكن فيه النقص فيجب جبره بالدم لكن بالشاة لا بالبدنة لأن النقص فيه كالنقص بالحدث لا كالنقص بالجنابة وأجابوا عن الاستدلال بحديث "الطواف بالبيت صلاة" أنه محمول على التشبيه كما في قوله تعالى: "وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" (الأحزاب: من الآية6) أي كأمهاتهم، ومعناه الطواف كالصلاة إما في الثواب أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة لأن كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابه في بعض الوجوه عملاً بالكتاب والسنة، أو نقول الطواف يشبه الصلاة وليس بصلاة حقيقة.
واشتراط ستر العورة في الطواف لنهيه صلى الله عليه وسلم عن طواف العريان، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ويعضد هذا حديث "الطواف بالبيت صلاة".
أما استدلال الحنفية بعموم قوله تعالى: "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج: من الآية29)، فالجواب عنه أن الآية عامة ليس فيها دلالة على محل النزاع بينما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يطوف بالبيت عريان" نص في محل النزاع.
ومما يستدل به أيضاً على وجوب ستر العورة في الطواف قوله تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" (الأعراف: من الآية31).
قال ابن جرير الطبري بسنده عن ابن عباس: إن النساء كن يطفن بالبيت عراة، وقال في موضع آخر: بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة فيما وصف إن شاء الله.
وتقول:
اليوم يبدوا بعضُه أو كلُّه فما بدا منه فلا أُحلُّه
قال فنزلت هذه الآية: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف: من الآية31)، وفي رواية كانوا يطوفون عراة الرجال بالنهاء والنساء بالليل.
وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور العلماء.
استدل الجمهور على أنه يشترط لصحة الطواف إكمال سبعة أشواط بما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا وقد قال الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" ( الأحزاب: من الآية21
وهناك شروط أخرى متفق عليها بين فقهاء المذاهب خاصة بالطواف وهي:
الشرط الأول: أن يكون الطواف حول الكعبة المشرفة، قال تعالى: "ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج:29)، وقد طاف صلى الله عليه وسلم حول البيت وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" الحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم.
الشرط الثاني: أن يكون الطواف حول البيت داخل المسجد الحرام ولو بعيداً عنه حيث يجوز الطواف في أخريات المسجد ولو في أروقته وعند بابه من داخله وعلى أسطحته، وكل توسعة في الحرم داخلة فيه فيصح الطواف في جمعية لكن لا بد وأن يكون الطواف داخله فلا يصح خارجه.
قال النووي: واتفقوا على أن لو طاف خارج المسجد لم يصح طوافه بحال، انتهى.
قلت: والدليل على ذلك فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله فقد طاف عليه الصلاة والسلام داخل المسجد الحرام وقد قال: "لتأخذوا عني مناسككم" الحديث.
الشرط الثالث: دخول وقت الطواف إذا كان له وقت معين وذلك كطواف الإفاضة فإنه لا بد في صحته من دخول وقته، واشتراط دخول الوقت محل إجماع بين الفقهاء إنما اختلفوا فيما بينهم في ابتداء وقته وقد تقدم تفصيله بما يغني عن إعادته هنا في مبحث ابتداء وقت طواف الإفاضة.
الشرط الرابع: أن يكون الطواف من وراء الحِجْر؛ لأن الحِجْر من الكعبة فلو طاف من داخل الحجر ما صح طوافه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف من ورائه.
وقد اشترط المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور العلماء أن يكون الطواف أيضاً من وراء الشاذروان.
الثاني: اشتراط ستر العورة:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط ستر العورة في الطواف على قولين:
القول الأول: أنه شرط وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور العلماء.
القول الثاني: أنه واجب وليس بشرط وهو قول الحنفية
الأدلة:
روى البخاري ومسلم في صحيحهما واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّرَه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر "لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان"
كما استدلوا بما رواه ابن حبان والترمذي والحاكم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطواف بالبيت صلاة" وستر العورة من شرائط صحة الصلاة بالإجماع فيكون شرطاً لصحة الطواف.
واستدلوا أصحاب القول الثاني وهو الحنفية على أن ستر العورة في الطواف ليس بشرط وإنما هو واجب بعموم قوله تعالى: "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج: من الآية29)، قالوا فأمر بالطواف مطلقاً عن شرط الستر فيجري على إطلاقه.
قالوا والنهي عن الطواف عرياناً إنما هو نهي لمكان الطواف وإذا كان كذلك تمكن فيه النقص فيجب جبره بالدم لكن بالشاة لا بالبدنة لأن النقص فيه كالنقص بالحدث لا كالنقص بالجنابة وأجابوا عن الاستدلال بحديث "الطواف بالبيت صلاة" أنه محمول على التشبيه كما في قوله تعالى: "وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" (الأحزاب: من الآية6) أي كأمهاتهم، ومعناه الطواف كالصلاة إما في الثواب أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة لأن كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابه في بعض الوجوه عملاً بالكتاب والسنة، أو نقول الطواف يشبه الصلاة وليس بصلاة حقيقة.
ومما يستدل به أيضاً على وجوب ستر العورة في الطواف قوله تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" (الأعراف: من الآية31).
قال ابن جرير الطبري بسنده عن ابن عباس: إن النساء كن يطفن بالبيت عراة، وقال في موضع آخر: بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة فيما وصف إن شاء الله.
وتقول:
اليوم يبدوا بعضُه أو كلُّه فما بدا منه فلا أُحلُّه
قال فنزلت هذه الآية: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف: من الآية31)، وفي رواية كانوا يطوفون عراة الرجال بالنهاء والنساء بالليل.
الثالث: اشتراط تكميل سبعة أشواط:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط تكميل سبعة أشواط على قولين:
القول الأول: أنه يشترط ذلك في صحة الطواف.
وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور العلماء.
القول الثاني: لا يشترط ذلك وهو قول الحنفية حيث رأوا أن القدر المفروض هو أكثر الأشواط، وأما الإكمال فواجب وليس بشرط.
استدل الجمهور على أنه يشترط لصحة الطواف إكمال سبعة أشواط بما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا وقد قال الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (الأحزاب: من الآية21).
وروى البخاري ومسلم أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً.
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا مناسككم إني لا أدري لعلّي لا أحج بعد حجتي هذه".
واستدل الحنفية لقولهم بعدم اشتراط السبعة الأشواط: بأن المقدار المفروض من الطواف هو أكثر أشواطه وهو ثلاثة أشواط وأكثر الشوط الرابع، قالوا والإكمال واجب وليس بفرض ولأن الأكثر يقوم مقام الكل فيما يقع به التحلل في باب الحج كالذبح إذا لم يستوف قطع العروق الأربعة.
كما استدلوا بعموم قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29).
وجه الدلالة: هو أنهم قالوا بأن الأمر بالطواف مطلق، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار إلا أن الزيادة على المرة الواحدة إلى أكثر الأشواط ثبت بدليل آخر وهو الإجماع ولا إجماع في الزيادة على أكثر الأشواط.
وأجابوا عن ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله من إكمال الطواف بسبعة أشواط باحتمال أن يكون ذلك التقدير للإتمام ويحتمل أن يكون للاعتداد به فيثبت فيه القدر المتيقن، وهو أن يجعل ذلك شرط الإتمام
و القول باشتراط سبعة أشواط لصحة الطواف، بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بفعله أنه طاف سبعاً مع قوله: "لتأخذوا مناسككم" هذا واستدلال الحنفية بقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29) وما ذكروه من وجه الدلالة منها غير مسَلَّم به.
الرابع: حكم اشتراط الابتداء بالحجر الأسود في الطواف:
يجب ابتداء الطواف من الحجر الأسود، فإن ابتدأ من دون الركن كمن الباب مثلاً أو ما بعده لم يعتد بذلك الشوط( الاعند الحنفية) فإذا وصل الحجر كان ذلك ابتداء طوافه فإن اعتد بالشوط الأول لم يصح طوافه.
وهذا هو مذهب الشافعية بل قال النووي إنه لا خلاف عندهم في ذلك وقد نص على هذا ابن قدامة في المغني.
استدل القائلون باشتراط الافتتاح بالحجر الأسود وكذا القائلون بالوجوب بما جاء في الصحيحين عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف حين يقدم يخب ثلاثة أطواف من السبع.
وبما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثاً ومشى أربعاً"
الخامس: اشتراط جعل البيت عن يسار الطائف:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط جعل البيت عن يسار الطائف لصحة الطواف
وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور العلماء.