هذه ليست وصية بل هبة،:
الوصّية، هي أن يتبرّع بالمال أو قيمته لغير الورثة بعد مماته، كأن يتبرّع بمالٍ معيّنٍ، أو بيتٍ، أو سيّارةٍ، أو غير ذلك، وقد كانت الوصيّة واجبةً قبل نزول آية المواريث، ثمّ نُسخت الوصيّة للوارث بآية المواريث،.
والوصيّة قد تكون لأحد الأقارب، أو لغيرهم، والوصيّة لغير الأقارب جائزةٌ بإجماع العلماء، سواءً كانت لمجموعةٍ من الناس، أو لشخصٍ معيّنٍ، أو لشيء لا يُملك من القربات، كبناء مسجدٍ، أو حفر بئرٍ، أمّا الأقارب من غير الوارثين، فالوصيّة مشروعة لهم؛ لقول الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، وهي منسوخة بآية المواريث.
أمّا الأقارب الوارثين، فإنّ نصيبهم من الورثة مقدّرٌ في آيات المواريث، ولا تجوز الوصيّة لهم، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللَّهَ تبارَك وتعالى قد أعطى كلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ فلا وصيَّةَ لوارثٍ)،
ويُشترط في الوصيّة أن تكون فيما دون الثلث، فإن زادت عن الثلث، أو كانت الوصيّة لأحد الورثة، فإنّ ذلك يتوقّف على موافقة الورثة؛ لأنّهم السبب في منع نفاذ الوصيّة، فإن أجازوا الزيادة نفذت، والمعتبر بإجازة الورثة هم الراشدين،
أمّا السفيه والمجنون فلا يحقّ لوليّه أن يجيز الوصية نيابةً عنه؛ لأنّ ذلك بمثابة التبرّع، ولا تبرّع من مال مَن لم يَرشُد.
وقد أجمع العلماء على أنّ الأصل في الوصيّة الجواز، لكن قد يعتريها الاستحباب، والوجوب، والكراهة، والتحريم،
: الوصيّة المستحبّة؛ وتكون عندما يوصي الميت بمالٍ يُنفق في أوجه الخير، وسُبل الإحسان، حتى يصل ثوابه إليه بعد وفاته، ويكون ذلك إذا كان له مالٌ كثيرٌ، وكان ورثته أغنياء، وهي ممّا وافق عليه الشّرع وأذن به، مع مراعاة ألّا تتجاوز حدّ الثلث من ماله، ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه، فيما يرويه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: (ما حقُّ امِرئٍ مسلمٍ، له شيءُ يُوصي فيه، يَبِيتُ ليلتين إلّا ووصيتُه مكتوبةٌ عندَه)، وليس المراد بالليلتين حصرهما على وجه التحديد، وإنّما المقصود ألّا يمرّ عليه وقتٌ قصيرٌ دون أن تكون وصيّته مكتوبةً).
الوصيّة الواجبة؛: وهي الوصيّة بما يجب عليه من حقوقٍ وواجباتٍ، وكان مقصّراً في أدائها، سواءً أكانت هذه الحقوق والواجبات متعلّقةً في حقّ الله تعالى، كزكاةٍ لم يخرجها، أو حجٍّ لم يؤدّه مع استطاعته عليه، أو كانت هذه الحقوق والواجبات متعلّقةً في حق الآدميين؛ كأداء الأمانات، وردّ الحقوق إلى أصحابها، وسداد الديون، وتجب الوصية للأقارب من غير الورثة إن كانوا فقراء والموصي غنيّ.
الوصيّة المكروهة: ؛ وتكون في حالة إن كان الورثة محتاجين، والموصي لا يملك المال الكثير؛ لأنّه بذلك يضيّق عليهم في أنصابهم.
الوصيّة المحرّمة: وتكون الوصيّة حرام إذا زادت عن الثلث من المال؛ وذلك لورود النهي من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك، إلّا إن وافق عليها الورثة؛ لأنّ ذلك يكون بمثابة تنازلٍ منهم عن حقوقهم، وتكون محرّمةً إذا كانت لأحدٍ من الورثة، إلّا إن أجازها باقي الورثة أيضاً، ومع ذلك يجب أن يحرص الموصي على أن تكون وصيّته في حدّ الثلث، أو ما دونه، حتى وإن أجازها الورثة، حتى لا يُلحق الضرر بهم.
ويجب التنبه إن وزع ماله على الورثة في حياته أن يساوي بينهم في العطية والهبة ،
لظاهر الأمر بالتسوية الوارد في حديث النعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما حيث قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم لبشيرِ بن سعدٍ رضي الله عنه: «أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟»، قَالَ: «بَلَى»، قَالَ: «فَلاَ إِذًا»، والبنتُ كالابن في استحقاقِ برِّها فكذلك في عطيَّتِها، وبحديث سيدنا ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلاً أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ»(-[أخرجه البيهقي (١٢٠٠٠) من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وضعَّفه ، ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم لم يستفصلْ في أولادِ بشيرِ بنِ سعدٍ رضي الله عنه: أكلُّهم ذكورٌ أم فيهم أنثى؟ و«تَرْكُ الاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ.